في قلب بغداد، وُلد قسم الرياضيات عام ١٩٤٩ داخل كلية الآداب والعلوم الناشئة، بروح متواضعة وطموح عظيم. ستة طلاب وقلة من المحاضرين المخلصين وشغف مشترك بأناقة الأرقام كانت هذه البداية المتواضعة لقسمٍ مقدّر له ترك بصمته على المشهد الرياضي العراقي.

كانت السنوات الأولى شاهدة على الصعوبة. ومع تزايد أعداد الطلاب مع موارد محدودة، وضع القسم الأساس، لبنى فكرية تلو الأخرى. قادها الدكتور حلمي سمرة، أول رئيس للقسم، خلالها رياح التغيير، مشرعًا الطريق من وحدة ناشئة إلى كيان مستقل في عام ١٩٥٣. وشهد عام ١٩٥٨ لحظة فارقة مع ولادة كلية العلوم، وجد القسم موطنه الدائم، وتوسع أعضاء هيئة التدريس مع كل عام.

شهدت الستينيات والسبعينيات عصرًا ذهبيًا للنمو. انضم علماء الرياضيات المشهورون من جميع أنحاء العالم إلى صفوف القسم، حيث غرسوا فيه أفكارًا جديدة وحماسًا للبحث. أصبحت اللغة الإنجليزية لغة التعليم، حيث تربط قاعات جامعة بغداد الدراسية بنبض الرياضيات العالمي. تم تأليف الكتب المدرسية ونشر المجلات، وأصبح القسم منارة للتعلم، حيث يجذب العقول النيرة الشغوفة بكشف أسرار الرياضيات، لعب قسم الرياضيات دورًا محوريًا في تخريج أجيال من المتخصصين الذين أسهموا في تطوير مختلف القطاعات العلمية والبحثية في العراق. كان القسم وما زال يُعد منبعًا رئيسيًا لتزويد الجامعات العراقية بخريجي البكالوريوس حيث يعتمد القسم الآلية المعمول بها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومن جامعة بغداد في قبول الطلبة الجدد والطلبة المنقولين من الاقسام المناضرة الاخرى وحسب الضوابط والقوانين المعمول بها من قبل الوزارة. فبالنسبة للطلبة الجدد يتبع القسم المعايير العامة التي تحددها الوزارة,  الجامعة و الكلية في توزيع الطلبة المقبولين في قسم الرياضيات  والتي تعتمد بالاساس على المعدل ورغبة الطالب، ويتم اعتماد معدل الطالب في الامتحان الوزاري للدراسة الاعدادية كاساس لقبول الطالب،  وكذلك يوجد دراسات عليا في القسم منها ماجستيرالرياضيات في تخصص الصرفة والتطبيقيه ، و كذلك الدكتوراه في الرياضيات الصرفة والتطبيقية . وقد تخرج منه عدد كبير من الطلاب الذين أسهموا في مجالات التربية والتعليم، فضلاً عن البحث العلمي وتطوير المناهج في الجامعات العراقية.منذ تأسيسه، سعى قسم الرياضيات لتقديم برامج أكاديمية متميزة تلبي معايير الجودة العالمية. يعتمد القسم في تقييم أدائه على معايير منظمة ABET لضمان تقديم تعليم عالي الجودة. البرامج الأكاديمية في القسم تشمل مراحل البكالوريوس، الماجستير، والدكتوراه حيث توجد مختبرات لصفوف المراحل الاولية وكذلك مختبرات للمراحل الدراسات العليا، وقد أسهمت هذه البرامج في إعداد خريجين مؤهلين للعمل في قطاعات متعددة مثل التعليم، البحث العلمي، والقطاعات الحكومية والخاصة. إضافة إلى ذلك، عمل القسم على تطوير القدرات البحثية لأعضائه الأكاديميين من خلال تشجيعهم على المشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية ونشر الأبحاث في مجلات علمية مرموقة.على مر السنوات، حقق قسم الرياضيات تقدماً ملموساً، سواء في إعداد كوادر تدريسية ذات كفاءة عالية أو في تحسين جودة التعليم الذي يقدمه. خلال السنوات العشر الماضية، تمكن القسم من تخريج دفعات جديدة من حملة الماجستير و الدكتوراه، الذين أصبحوا جزءاً من الهيئات التدريسية في القسم ذاته. ومن بين هؤلاء، أكمل أحد عشر طالباً دراساتهم العليا داخل القسم، في حين حصل خمسة آخرون على شهادات الدكتوراه من جامعات دولية مرموقة.يساهم قسم الرياضيات بشكل فعال في تدريس المواد الرياضية الأساسية في مختلف الأقسام العلمية الأخرى بكلية العلوم.

ومع ذلك، لم تكن الرحلة خالية من التحديات. اختبرت الاضطرابات السياسية والصعوبات الاقتصادية عزم القسم. ومع ذلك، صمدت روح الرياضيات. واستمر أعضاء هيئة التدريس المخلصون في التدريس، وصمد الطلاب في دراستهم، ولم يتوقف البحث أبدًا رغم الصعوبات. تكيّف القسم، وعرب منهجه مع الحفاظ على التزامه بالمعايير الدولية.

شهد فجر القرن الحادي والعشرين تجدّد الأمل. أصبحت التكنولوجيا أداة قوية، تكمل الأساليب التقليدية وتفتح أبواب التعاون العالمي. احتضن القسم العصر الرقمي، حيث أطلق منصات عبر الإنترنت ووسع نطاق وصوله خارج حدود بغداد. ازدهرت برامج الدراسات العليا، حيث أنتجت جيلًا جديدًا من علماء الرياضيات مجهزينًا للتعامل مع تعقيدات العالم الحديث.

اليوم، يقف قسم الرياضيات شامخًا، شاهداً على قوة المثابرة والعاطفة. يزين خريجوه الفصول الدراسية ومختبرات الأبحاث وغرف الاجتماعات في جميع أنحاء العراق وما وراءها. لا يزال أعضاء هيئة التدريس، وهم مزيج حيوي من الخبرة والطاقة الشبابية، يدفعون حدود المعرفة، ويعالجون مشاكل العالم الحقيقي ببراعة رياضية.

بالنظر إلى الوراء، فإن الرحلة هي قصة انتصار ضد الشدائد، وتعاون على الانقسام، وابتكار مدفوع بتفاني لا يتزعزع لجمال وقوة الأرقام. قسم الرياضيات، كلية العلوم، جامعة بغداد قصة محفورة في المعادلات، هامسة في النظريات، تتردد إلى الأبد في عقول أولئك الذين يجرؤون على الحلم بالأرقام.

مع التقدير و الاحترام

ا.م.د. محمد صباح حسين

رئيس قسم الرياضيات